الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

الاستئصاليون: الليبراليون الراسبون في امتحان الربيع العربي

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 

مقال للكاتب أ / عبدالله المفلح بعنوان

" الاستئصاليون: الليبراليون الراسبون في امتحان الربيع العربي "

من الواضح جدًا أن نسبة الراسبين من الليبراليين العرب (أقول ليبراليين تجوزًا فقط) في امتحان الربيع العربي كانت مرتفعة جدًا.
لقد كانت مواقف الغالبية الساحقة منهم استئصالية، نسخة طبق الأصل عن الاستئصاليين الفرانكفونيين الجزائريين الذين أيدوا وطبلوا لانقلاب العسكر على الاختيار الشعبي نهاية عام 1991م بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية بالانتخابات. لقد قال أحدهم وقتها: لو لم ننقلب على جبهة الإنقاذ الإسلامية لسالت الدماء أنهارًا بسبب الإسلاميين. لكن هذا الفرانكفوني الاستئصالي  لم يدرِ أن الأسوأ في الطريق. لقد دخلت البلاد نفق الحرب المظلم نتيجة هذا الانقلاب مما أدى إلى قتل أكثر من 150 ألف جزائري. وهنا أتذكر سؤال الدبلوماسي الجزائري السابق العربي بن زيتوت حين قابل ذلك الفرانكفوني الاستئصالي في الاتجاه المعاكس على شاشة الجزيرة فسأله: أتراها سالت ماءً بعد الانقلاب؟!
الليبراليون العرب في غالبيتهم الساحقة ليسوا بليبراليين. هم مجرد خصوم للتيار الإسلامي، ولأن الكثيرين درجوا على تصنيف المتصارعين واعتبار جميع خصوم التيارات الإسلامية “المحافظة” ليبراليين؛ لذا أسموهم “ليبراليين” رغم أن الكثير من هؤلاء الموصومين بالليبرالية ليسوا سوى حكوميين ومرتزقة ومخابراتيين ولصوص، ولا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بالليبرالية وقيمها.

**  **  **
هنا أتذكر تصريحين لقامتين لا يستطيع أحد أن يزايد على ليبراليتهم؛ الأولى: عرَّاب الليبرالية العربية الشهير المفكر فؤاد زكريا رحمه الله، الذي قال: “ليس لليبراليين العرب مشروع حقيقي. مشروعهم هو تخريب مشاريع الإسلاميين”. لاحظوا أنَّه يتكلم عن الليبراليين الأقحاح!
والتصريح الآخر للأستاذ السعودي محمد سعيد طيب، الذي قال بلهجته الحجازية: “يا بويا أزعجتونا بالليبراليين الليبراليين. الحقيقة هي أنَّ الليبراليين السعوديين يُعدَّون على أصابع اليد الواحدة، والباقي (أي البقية من المنتسبين لليبرالية في السعودية) هم دشير”. دشير جمع من داشر وتعني فاسدًا أخلاقيًا.

**  **  **
سقط ليبراليو الجزائر في امتحان الديمقراطية في تسعينيات القرن الماضي وانحازوا إلى العسكر، وثبت أنَّهم لم يكونوا في يوم ليبراليين؛ بل استئصاليين، وهو التوصيف الذي اختاره لهم الليبراليون الحقيقيون في الجزائر.
ثم جاء الربيع العربي، وسقط ليبراليو مصر سقوطًا مدويًا بدعمهم للانقلاب العسكري الغاشم وعلى رأسهم البرادعي الذي سلَّم لوزير الدفاع البندقية كي يقتل الشعب ثم هرب وهو يقول إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين.
بعد الانقلاب العسكري كشف الاستئصاليون الليبراليون عن وجههم القبيح، فدعموا قتل المتظاهرين السلميين بالمئات في رابعة والنهضة، ثم دعموا وطبَّلوا لعمليات القتل على الهوية التي ارتكبها نظام السيسي، وأيدوا ملاحقة مقاومي الانقلاب العسكري من غير الإسلاميين كالناشطين العلمانيين واليسارين والقوميين المستقلين.
وليبراليو سوريا مثل ليبراليي مصر؛ انظر لموقف أدونيس من بشَّار ودفاعه عنه، وانظر لهجومه على ثورة الشعب؟!
بل انظر إلى الليبراليين الخليجيين، وكيف وقفوا صفًا واحدًا خلف دعم الانقلاب العسكري في مصر، واعتبار أن كل من يرفض الانقلاب هو مجرد إخواني متستر، حتى ولو كان يساريًا أو علمانيًا أو عروبيًا!
إنَّه الاستئصال يا سادة، الذي يجعل من ليبرالي سعودي يدَّعي أنه حقوقي يُطبِّل لقتل المعتصمين في رابعة والنهضة وهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد العسكر. ويعتبر أن الحل مع الإسلاميين هو مسحهم من الخريطة حزبيًا وسياسيًا واجتماعيًا، دون أدنى اعتبار لفكرة “تداول السلطة” التي هي فكرة في جوهرها ليبرالية!
لا وجود لليبرالية عربية حقيقية. فأغلب من يظنهم الناس ليبراليين هم في الحقيقة استئصاليون مجرمون أو فاسدون أخلاقيًا لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بالليبرالية أو الحرية أو الديمقراطية أو مؤسسات المجتمع المدني.

**  **  **
فكروا معي قليلًا:
لماذا لا ينتقد هؤلاء الليبراليون الحكومات؟ أليست الليبرالية فلسفة سياسية تقوم على قيمتي الحرية والمساواة؟ لماذا يصمتون عن الحرية السياسية؟
لماذا لا يتحدثون عن ضرورة إنشاء دستور وتطبيق الديمقراطية والتي هي أس الحرية السياسية؟
لماذا لا يتكلمون عن الظلم السياسي، وحرية الكلمة، وتداول السلطة، والحقوق، وسرقة المال العام، والاعتقال التعسفي كما يتكلم كل ليبراليي العالم؟!
لماذا يتجاهلون كل القيم الليبرالية ذات العلاقة بالسياسة، ويقصرون حماستهم على تفاصيل اجتماعية صغيرة خاصة بالمرأة وحقوقها يقيمون الدنيا ولا يقعدونها حين الكلام عنها؟
ولك أن تقارن بين مواقف الليبراليين الغربيين ومواقف من يوصفون بأنَّهم ليبراليون عرب.
وقف الليبراليون الغربيون مع الحجاب، بل ولبسوا النقاب وتظاهروا ضد قرار الحكومة بصفته قرارًا ينافي الحرية، ووقفوا ضد غزو العراق، وضد إجرام بشَّار، وضد الإساءات للنبي صلى الله عليه وسلم والدين الإسلامي، وضد الاستعمار الجديد، وضد غوانتانامو، وضد جرائم التعذيب التي ترتكبها الحكومات في أي مكان من العالم، ووقفوا مع الربيع العربي بصفته تعبيرًا عن غضب الشعوب العربية، وأعلنوا رفضهم للثورات المضادة، ورفضهم للانقلاب المصري الذي أودى بحياة المئات من المدنيين.. إلخ من مواقف “ليبرالية” حقيقية مشرفة.
على الجهة الأخرى، انظر إلى مواقف الليبراليين العرب (مرة أخرى ، مع رفضي لوصفهم بالليبراليين)، تجدهم على النقيض من مواقف الليبراليين الغربيين. فهم ضد خيارات شعوبهم، وهم ضد الدين باعتبار أن انتقاد النبي صلى الله عليه وسلم والدين حرية شخصية، وهم مع غزو العراق وما أتبعه من كوارث، وهم ضد الربيع العربي ومع الثورات المضادة، وهم مع قتل واعتقال وتعذيب الإسلاميين، وهم ضد النقاب والحجاب.
فعن أي ليبرالية يتكلم هؤلاء الساقطون؟
لذا؛ خذها مني قاعدة: إذا أردت أن تكتشف الليبرالي الحقيقي من الاستئصالي والداشر؛ فانظر موقفه من الإصلاح السياسي، ودوره في الدعوة إليه، فإذا لم تجد شيئًا؛ فاعلم أنَّه استئصالي أو داشر وليس له علاقة من قريب أو من بعيد بالليبرالية!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق